cheetos
عدد الرسائل : 65 العمر : 36 علم بلدك : تاريخ التسجيل : 07/12/2007
| موضوع: ماهو الايمان؟ الثلاثاء يناير 01, 2008 5:21 am | |
| حدثنا مسدد قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أخبرنا أبو حيان التيمي عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزا يوما للناس فأتاه جبريل فقال ما الإيمان قال الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث قال ما الإسلام قال الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان قال ما الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال متى الساعة قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل وسأخبرك عن أشراطها إذا ولدت الأمة ربها وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان في خمس لا يعلمهن إلا الله ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم
| إن الله عنده علم الساعة | |
الآية ثم أدبر فقال ردوه فلم يروا شيئا فقال هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم قال أبو عبد الله جعل ذلك كله من الإيمان _______________________________ الشرح: قوله : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزا يوما للناس ) أي : ظاهرا لهم غير محتجب عنهم ولا ملتبس بغيره , والبروز الظهور . وقد وقع في رواية أبي فروة التي أشرنا إليها بيان ذلك , فإن أوله : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس بين أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو , فطلبنا إليه أن نجعل له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه , قال : فبنينا له دكانا من طين كان يجلس عليه . انتهى . واستنبط منه القرطبي استحباب جلوس العالم بمكان يختص به ويكون مرتفعا إذا احتاج لذلك لضرورة تعليم ونحوه . قوله : ( فأتاه رجل ) أي : ملك في صورة رجل , وفي التفسير للمصنف : إذ أتاه رجل يمشي , ولأبي فروة : فإنا لجلوس عنده إذ أقبل رجل أحسن الناس وجها وأطيب الناس ريحا كأن ثيابه لم يمسها دنس . ولمسلم من طريق كهمس في حديث عمر : بينما نحن ذات يوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر . وفي رواية .... حبان سواد اللحية , لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد , حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه . وفي رواية لسليمان التيمي : ليس عليه سحناء السفر , وليس من البلد , فتخطى حتى برك بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم كما يجلس أحدنا في الصلاة , ثم وضع يده على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم , وكذا في حديث .... عباس وأبي عامر الأشعري : ثم وضع يده على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم . فأفادت هذه الرواية أن الضمير في قوله على فخذيه يعود على النبي , وبه جزم البغوي وإسماعيل التيمي لهذه الرواية ورجحه الطيبي بحثا لأنه نسق الكلام خلافا لما جزم به النووي , ووافقه التوربشتي لأنه حمله على أنه جلس كهيئة المتعلم بين يدي من يتعلم منه , وهذا وإن كان ظاهرا من السياق لكن وضعه يديه على فخذ النبي صلى الله عليه وسلم صنيع منبه للإصغاء إليه , وفيه إشارة لما ينبغي للمسئول من التواضع والصفح عما يبدو من جفاء السائل . والظاهر أنه أراد بذلك المبالغة في تعمية أمره ليقوي الظن بأنه من جفاة الأعراب , ولهذا تخطى الناس حتى انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم . ولهذا استغرب الصحابة صنيعه ; ولأنه ليس من أهل البلد وجاء ماشيا ليس عليه أثر سفر . فإن قيل : كيف عرف عمر أنه لم يعرفه أحد منهم ؟ أجيب بأنه يحتمل أن يكون استند في ذلك إلى ظنه , أو إلى صريح قول الحاضرين . قلت : وهذا الثاني أولى , فقد جاء كذلك في رواية عثمان بن غياث فإن فيها : فنظر القوم بعضهم إلى بعض فقالوا : ما نعرف هذا . وأفاد مسلم في رواية عمارة بن القعقاع سبب ورود هذا الحديث , فعنده في أوله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سلوني , فهابوا أن يسألوه , قال فجاء رجل . ووقع في رواية .... منده من طريق يزيد بن زريع عن كهمس : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ جاءه رجل - فكأن أمره لهم بسؤاله وقع في خطبته - وظاهره أن مجيء الرجل كان في حال الخطبة , فإما أن يكون وافق انقضاءها أو كان ذكر ذلك القدر جالسا وعبر عنه الراوي بالخطبة .
قوله : ( فقال ) زاد المصنف في التفسير : يا رسول الله ما الإيمان ؟ فإن قيل : فكيف بدأ بالسؤال قبل السلام ؟ أجيب بأنه يحتمل أن يكون ذلك مبالغة في التعمية لأمره , أو ليبين أن ذلك غير واجب , أو سلم فلم ينقله الراوي . قلت : وهذا الثالث هو المعتمد , فقد ثبت في رواية أبي فروة , ففيها بعد قوله كأن ثيابه لم يمسها دنس حتى سلم من طرف البساط فقال : السلام عليك يا محمد , فرد عليه السلام . قال : أدنو يا محمد ؟ قال : ادن . فما زال يقول أدنو مرارا ويقول له ادن . ونحوه في رواية عطاء عن .... عمر , لكن قال : السلام عليك يا رسول الله . وفي رواية مطر الوراق فقال : يا رسول الله أدنو منك ؟ قال ادن . ولم يذكر السلام . فاختلفت الروايات , هل قال له يا محمد أو يا رسول الله ؟ هل سلم أو لا ؟ . فأما السلام فمن ذكره مقدم على من سكت عنه . وقال القرطبي بناء على أنه لم يسلم وقال يا محمد : إنه أراد بذلك التعمية فصنع صنيع الأعراب . قلت : ويجمع بين الروايتين بأنه بدأ أولا بندائه باسمه لهذا المعنى , ثم خاطبه بقوله يا رسول الله . ووقع عند القرطبي أنه قال : السلام عليكم يا محمد , فاستنبط منه أنه يستحب للداخل أن يعمم بالسلام ثم يخصص من يريد تخصيصه . انتهى . والذي وقفت عليه من الروايات إنما فيه الإفراد وهو قوله : السلام عليك يا محمد .
قوله : ( ما الإيمان ) قيل قدم السؤال عن الإيمان لأنه الأصل , وثنى بالإسلام لأنه يظهر مصداق الدعوى , وثلث بالإحسان لأنه متعلق بهما . وفي رواية عمارة بن القعقاع : بدأ بالإسلام لأنه بالأمر الظاهر وثنى بالإيمان لأنه بالأمر الباطن . ورجح هذا الطيبي لما فيه من الترقي . ولا شك أن القصة واحدة اختلف الرواة في تأديتها , وليس في السياق ترتيب , ويدل عليه رواية مطر الوراق فإنه بدأ بالإسلام وثنى بالإحسان وثلث بالإيمان , فالحق أن الواقع أمر واحد , والتقديم والتأخير وقع من الرواة . والله أعلم .
قوله : ( قال : الإيمان أن تؤمن بالله إلخ ) دل الجواب أنه علم أنه سأله عن متعلقاته لا عن معنى لفظه , وإلا لكان الجواب : الإيمان التصديق . وقال الطيبي : هذا يوهم التكرار , وليس كذلك , فإن قوله أن تؤمن بالله مضمن معنى أن تعترف به , ولهذا عداه بالباء , أي : أن تصدق معترفا بكذا . قلت : والتصديق أيضا يعدى بالباء فلا يحتاج إلى دعوى التضمين . وقال الكرماني : ليس هو تعريفا للشيء بنفسه , بل المراد من المحدود الإيمان الشرعي , ومن الحد الإيمان اللغوي قلت : والذي يظهر أنه إنما أعاد لفظ الإيمان للاعتناء بشأنه تفخيما لأمره , ومنه قوله تعالى ( قل يحييها الذي أنشأها أول مرة ) في جواب ( من يحيي العظام وهي رميم ) , يعني أن قوله أن تؤمن ينحل منه الإيمان فكأنه قال : الإيمان الشرعي تصديق مخصوص , وإلا لكان الجواب : الإيمان التصديق , والإيمان بالله هو التصديق بوجوده وأنه متصف بصفات الكمال منزه عن صفات النقص .
قوله : ( وملائكته ) الإيمان بالملائكة هو التصديق بوجودهم وأنهم كما وصفهم الله تعالى ( عباد مكرمون ) وقدم الملائكة على الكتب والرسل نظرا للترتيب الواقع ; لأنه سبحانه وتعالى أرسل الملك بالكتاب إلى الرسول وليس فيه متمسك لمن فضل الملك على الرسول .
قوله : ( وكتبه ) هذه عند الأصيلي هنا , واتفق الرواة على ذكرها في التفسير , والإيمان بكتب الله التصديق بأنها كلام الله وأن ما تضمنته حق .
قوله : ( وبلقائه ) كذا وقعت هنا بين الكتب والرسل , وكذا لمسلم من الطريقين , ولم تقع في بقية الروايات , وقد قيل إنها مكررة لأنها داخلة في الإيمان بالبعث , والحق أنها غير مكررة , فقيل المراد بالبعث القيام من القبور , والمراد باللقاء ما بعد ذلك , وقيل اللقاء يحصل بالانتقال من دار الدنيا , والبعث بعد ذلك . ويدل على هذا رواية مطر الوراق فإن فيها " وبالموت وبالبعث بعد الموت " , وكذا في حديث أنس وابن عباس , وقيل المراد باللقاء رؤية الله , ذكره الخطابي . وتعقبه النووي بأن أحدا لا يقطع لنفسه برؤية الله , فإنها مختصة بمن مات مؤمنا , والمرء لا يدري بم يختم له , فكيف يكون ذلك من شروط الإيمان ؟ وأجيب بأن المراد الإيمان بأن ذلك حق في نفس الأمر , وهذا من الأدلة القوية لأهل السنة في إثبات رؤية الله تعالى في الآخرة إذ جعلت من قواعد الإيمان .
قوله : ( ورسله ) وللأصيلي " وبرسله " , ووقع في حديث أنس وابن عباس " والملائكة والكتاب والنبيين " , وكل من السياقين في القرآن في البقرة , والتعبير بالنبيين يشمل الرسل من غير عكس , والإيمان بالرسل التصديق بأنهم صادقون فيما أخبروا به عن الله , ودل الإجمال في الملائكة والكتب والرسل على الاكتفاء بذلك في الإيمان بهم من غير تفصيل , إلا من ثبت تسميته فيجب الإيمان به على التعيين . وهذا الترتيب مطابق للآية ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه ) ومناسبة الترتيب المذكور وإن كانت الواو لا ترتب بل المراد من التقدم أن الخير والرحمة من الله , ومن أعظم رحمته أن أنزل كتبه إلى عباده , والمتلقي لذلك منهم الأنبياء , والواسطة بين الله وبينهم الملائكة .
قول ( وتؤمن بالبعث ) زاد في التفسير " الآخر " ولمسلم في حديث عمر " واليوم الآخر " فأما البعث الآخر فقيل ذكر الآخر تأكيدا كقولهم أمس الذاهب , وقيل لأن البعث وقع مرتين : الأولى الإخراج من العدم إلى الوجود أو من بطون الأمهات بعد النطفة والعلقة إلى الحياة الدنيا , والثانية البعث من بطون القبور إلى محل الاستقرار . وأما اليوم الآخر فقيل له ذلك لأنه آخر أيام الدنيا أو آخر الأزمنة المحدودة , والمراد بالإيمان به والتصديق بما يقع فيه من الحساب والميزان والجنة والنار . وقد وقع التصريح بذكر الأربعة بعد ذكر البعث في رواية سليمان التيمي وفي حديث .... عباس أيضا . ( فائدة ) : زاد الإسماعيلي في مستخرجه هنا " وتؤمن بالقدر " , وهي في رواية أبي فروة أيضا , وكذا لمسلم من رواية عمارة بن القعقاع , وأكده بقوله " كله " , وفي رواية كهمس وسليمان التيمي " وتؤمن بالقدر خيره وشره " وكذا في حديث .... عباس , وهو في رواية عطاء عن .... عمر بزيادة " وحلوه ومره من الله " , وكأن الحكمة في إعادة لفظ " وتؤمن " عند ذكر البعث الإشارة إلى أنه نوع آخر مما يؤمن به ; لأن البعث سيوجد بعد , وما ذكر قبله موجود الآن , وللتنويه بذكره لكثرة من كان ينكره من الكفار , ولهذا كثر تكراره في القرآن , وهكذا الحكمة في إعادة لفظ " وتؤمن " عند ذكر القدر كأنها إشارة إلى ما يقع فيه من الاختلاف , فحصل الاهتمام بشأنه بإعادة تؤمن , ثم قرره بالإبدال بقوله " خيره وشره وحلوه ومره " ثم زاده تأكيدا بقوله في الرواية الأخيرة " من الله " . والقدر مصدر , تقول : قدرت الشيء بتخفيف الدال وفتحها أقدره بالكسر والفتح قدرا وقدرا , إذا أحطت بمقداره . والمراد أن الله تعالى علم مقادير الأشياء وأزمانها قبل إيجادها , ثم أوجد ما سبق في علمه أنه يوجد , فكل محدث صادر عن علمه وقدرته وإرادته , هذا هو المعلوم من الدين بالبراهين القطعية , وعليه كان السلف من الصحابة وخيار التابعين , إلى أن حدثت بدعة القدر في أواخر زمن الصحابة , وقد روى مسلم القصة في ذلك من طريق كهمس عن .... بريدة عن يحيى بن يعمر قال : كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني , قال فانطلقت أنا وحميد الحميري , فذكر اجتماعهما بعبد الله بن عمر , وأنه سأله عن ذلك فأخبره بأنه بريء ممن يقول ذلك , وأن الله لا يقبل ممن لم يؤمن بالقدر عملا . وقد حكى المصنفون في المقالات عن طوائف من القدرية إنكار كون البارئ عالما بشيء من أعمال العباد قبل وقوعها منهم , وإنما يعلمها بعد كونها . قال القرطبي وغيره : قد انقرض هذا المذهب , ولا نعرف أحدا ينسب إليه من المتأخرين . قال : والقدرية اليوم مطبقون على أن الله عالم بأفعال العباد قبل وقوعها , وإنما خالفوا السلف في زعمهم بأن أفعال العباد مقدورة لهم وواقعة منهم على جهة الاستقلال , وهو مع كونه مذهبا باطلا أخف من المذهب الأول . وأما المتأخرون منهم فأنكروا تعلق الإرادة بأفعال العباد فرارا من تعلق القديم بالمحدث , وهم مخصومون بما قال الشافعي : إن سلم القدري العلم خصم . يعني يقال له : أيجوز أن يقع في الوجود خلاف ما تضمنه العلم ؟ فإن منع وافق قول أهل السنة , وإن أجاز لزمه نسبة الجهل , تعالى الله عن ذلك . ( تنبيه ) : ظاهر السياق يقتضي أن الإيمان لا يطلق إلا على من صدق بجميع ما ذكر , وقد اكتفى الفقهاء بإطلاق الإيمان على من آمن بالله ورسوله , ولا اختلاف ; لأن الإيمان برسول الله المراد به الإيمان بوجوده وبما جاء به عن ربه , فيدخل جميع ما ذكر تحت ذلك . والله أعلم .
قوله : ( أن تعبد الله ) قال النووي : يحتمل أن يكون المراد بالعبادة معرفة الله فيكون عطف الصلاة وغيرها عليها لإدخالها في الإسلام , ويحتمل أن يكون المراد بالعبادة الطاعة مطلقا , فيدخل فيه جميع الوظائف , فعلى هذا يكون عطف الصلاة وغيرها من عطف الخاص على العام . قلت : أما الاحتمال الأول فبعيد ; لأن المعرفة من متعلقات الإيمان , وأما الإسلام فهو أعمال قولية وبدنية , وقد عبر في حديث عمر هنا بقوله " أن تشهد أن لا إله إلا الله , وأن محمدا رسول الله " فدل على أن المراد بالعبادة في حديث الباب النطق بالشهادتين , وبهذا تبين دفع الاحتمال الثاني . ولما عبر الراوي بالعبادة احتاج أن يوضحها بقوله " ولا تشرك به شيئا " ولم يحتج إليها في رواية عمر لاستلزامها ذلك . فإن قيل : السؤال عام لأنه سأل عن ماهية الإسلام , والجواب خاص لقوله أن تعبد أو تشهد , وكذا قال في الإيمان أن تؤمن , وفي الإحسان أن تعبد . والجواب أن ذلك لنكتة الفرق بين المصدر وبين أن والفعل ; لأن " أن تفعل " تدل على الاستقبال , والمصدر لا يدل على زمان . على أن بعض الرواة أورده هنا بصيغة المصدر , ففي رواية عثمان بن غياث قال " شهادة أن لا إله إلا الله " وكذا في حديث أنس , وليس المراد بمخاطبته بالإفراد اختصاصه بذلك , بل المراد تعليم السامعين الحكم في حقهم وحق من أشبههم من المكلفين , وقد تبين ذلك بقوله في آخره " يعلم الناس دينهم " . فإن قيل : لم لم يذكر الحج ؟ أجاب بعضهم باحتمال أنه لم يكن فرض , وهو مردود بما رواه .... منده في كتاب الإيمان بإسناده الذي على شرط مسلم من طريق سليمان التيمي في حديث عمر أوله " أن رجلا في آخر عمر النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكر الحديث بطوله , وآخر عمره يحتمل أن يكون بعد حجة الوداع فإنها آخر سفراته , ثم بعد قدومه بقليل دون ثلاثة أشهر مات , وكأنه إنما جاء بعد إنزال جميع الأحكام لتقرير أمور الدين - التي بلغها متفرقة - في مجلس واحد , لتنضبط . ويستنبط منه جواز سؤال العالم ما لا يجهله السائل ليعلمه السامع , وأما الحج فقد ذكر , لكن بعض الرواة إما ذهل عنه وإما نسيه . والدليل على ذلك اختلافهم في ذكر بعض الأعمال دون بعض , ففي رواية كهمس " وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا " وكذا في حديث أنس , وفي رواية عطاء الخراساني لم يذكر الصوم , وفي حديث أبي عامر ذكر الصلاة والزكاة حسب , ولم يذكر في حديث .... عباس مزيدا على الشهادتين . وذكر سليمان التيمي في روايته الجميع , وزاد بعد قوله وتحج " وتعتمر وتغتسل من الجنابة وتتمم الوضوء " . وقال مطر الوراق في روايته " وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة " قال فذكر عرى الإسلام , فتبين ما قلناه إن بعض الرواة ضبط ما لم يضبطه غيره
قوله : ( وتقيم الصلاة ) زاد مسلم " المكتوبة " أي : المفروضة . وإنما عبر بالمكتوبة للتفنن في العبارة , فإنه عبر في الزكاة بالمفروضة , ولاتباع قوله تعالى ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) .
قوله : ( وتصوم رمضان ) استدل به على قول رمضان من غير إضافة شهر إليه , وستأتي المسألة في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى .
قوله : ( الإحسان ) هو مصدر , تقول أحسن يحسن إحسانا . ويتعدى بنفسه وبغيره تقول أحسنت كذا إذا أتقنته , وأحسنت إلى فلان إذا أوصلت إليه النفع , والأول هو المراد لأن المقصود إتقان العبادة . وقد يلحظ الثاني بأن المخلص مثلا محسن بإخلاصه إلى نفسه , وإحسان العبادة الإخلاص فيها والخشوع وفراغ البال حال التلبس بها ومراقبة المعبود , وأشار في الجواب إلى حالتين : أرفعهما أن يغلب عليه مشاهدة الحق بقلبه حتى كأنه يراه بعينه وهو قوله " كأنك تراه " أي : وهو يراك , والثانية أن يستحضر أن الحق مطلع عليه يرى كل ما يعمل , وهو قوله " فإنه يراك " . وهاتان الحالتان يثمرهما معرفة الله وخشيته , وقد عبر في رواية عمارة بن القعقاع بقوله " أن تخشى الله كأنك تراه " وكذا في حديث أنس . وقال النووي : معناه أنك إنما تراعي الآداب المذكورة إذا كنت تراه ويراك , لكونه يراك لا لكونك تراه فهو دائما يراك , فأحسن عبادته وإن لم تره , فتقدير الحديث : فإن لم تكن تراه فاستمر على إحسان العبادة فإنه يراك . قال : وهذا القدر من الحديث أصل عظيم من أصول الدين , وقاعدة مهمة من قواعد المسلمين , وهو عمدة الصديقين وبغية السالكين وكنز العارفين ودأب الصالحين , وهو من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم , وقد ندب أهل التحقيق إلى مجالسة الصالحين ليكون ذلك مانعا من التلبس بشيء من النقائص احتراما لهم واستحياء منهم , فكيف بمن لا يزال الله مطلعا عليه في سره وعلانيته ؟ انتهى . وقد سبق إلى أصل هذا القاضي عياض وغيره , وسيأتي مزيد لهذا في تفسير لقمان إن شاء الله تعالى . قوله : ( قال أبو عبد الله ) يعني المؤلف " جعل ذلك كله من الإيمان " أي : الإيمان الكامل المشتمل على هذه الأمور كلها . | |
|