من غيّب المقاومة في أنابوليس العرب.... أم الغرب؟؟ ـــ عصام خليل
يبدو أن آمال «العرب المعتدلين» المعلقة على مؤتمر «أنابوليس»، تبخرت قبل أن ينفض حشد «المحتفلين» الذين لا يجمع بينهم سوى رغبة الولايات المتحدة الأميركية في حضورهم!!
فالمؤتمر لم يكن أكثر من منبر خطابي، أكد المتعاقبون عليه أهمية السلام، ووجوب تحقيقه في المنطقة! في حين عبّرت أطراف «الصراع السابقة» عن مواقفها المتمسكة بـ«الحقوق»!! و«الثوابت»!! وهي حقوق وثوابت ما فتئت تخضع للتبديل والتغيير، تبعاً للخسائر السياسية المتراكمة، والمنعكسة تراجعاً في «الثوابت»، وتناقصاً في «الحقوق»!!
أما الغائب الحاضر في هذا المؤتمر فكان المقاومة!! المقاومة كخيار، والمقاومة كمشروع. ولعل البعض يستغرب من اعتبار المقاومة حاضرة في هذا المؤتمر، الذي غابت عنه البنادق، وملأت «شاشاته» الابتسامات، والمصافحات، والوجوه الحليقة، واللحى المشذبة!!
وللحقيقة، ومن أجل تثبيت هذه اللحظة، لحظة المؤتمر، في ذاكرة الأجيال، لأنه يشكل نقطة انعطاف نهائية، في مسار الصراع العربي الصهيوني «سابقاً»، وفيما سيرتبه من توجهات سياسية الآن، ولاحقاً؛ من أجل ذلك كله؛ لا بد من تسجيل اعتراف أوّليّ مؤسف يقول: إن المقاومة كانت غائبة كخيار عن حقائب الدبلوماسيين العرب، وعن كلماتهم «السلمية»، وابتساماتهم البروتوكولية!!
لكن المقاومة كانت حاضرة في أذهان «الخصوم»، إذ لم يكن في المؤتمر «أعداء»!! وكانت حاضرة في مخاوفهم، وفي مسوغات الترتيبات التي أنجزوها لعقد هذا المؤتمر، وبعبارة أخرى، كانت المقاومة حاضرة في أذهان «الأميركيين والإسرائيليين» كمشروع محتمل قد يلجأ إليه العرب، إن لم يتم استيعاب احتقان الشارع العربي، ورد فعله الغاضب، ضد حكوماته أولاً، وضد سياسات الولايات المتحدة الأميركية، ومساندتها العمياء للاحتلال الإسرائيلي ثانياً.
ومن المؤسف والمعيب أن يتمكن أعداؤنا من قراءة واقعنا السياسي، واستقراء الآفاق التي قد يدفع إليها، أكثر مما نتمكن نحن من قراءته، واستطلاع ماقد يؤدي إليه. فنحن ـ كعرب رسميين ـ لم نتمكن من قراءة المعطيات الجديدة المترتبة على انتصار المقاومة في حرب تموز 2006، ولعل انتصار المقاومة أخاف بعض الحكام العرب، لأنه خلق موجةً من التفاؤل الشعبي، والإيمان، بقدرتنا على هزيمة إسرائيل إذا تبنينا خيار المقاومة، وتركنا جانباً رمال الحلول الدبلوماسية المتحركة، وتمسكنا بحقوقنا التي تتآكل يومياً، بفعل التنازلات المتواصلة، دون أن نتمكن من الحصول على الحد الأدنى من هذه الحقوق.
كان انتصار المقاومة في حرب تموز نقطة تحول في الوعي، وفي نظرة الشارع العربي إلى مفهوم الصراع، وآليات حسمه، وليس إلى مضمون الحل؛ ولذلك سارعت الولايات المتحدة الأميركية إلى إطلاق دبلوماسية مكثفة، لامتصاص هذه الحالة المتدحرجة، وإحباطها لكي لا تتحول إلى "تسونامي" جماهيري، يضغط على الحكام العرب، ويدفعهم إلى الاستجابة إلى تطلعات شعبهم، وتبني خيارات تضرّ بمصالح الولايات المتحدة الأميركية، وتهدد «إسرائيل» وجوداً وكياناً.
وكان الملف النووي الإيراني، أحد البنود المدرجة ـ بإلحاح ـ على جدول أعمال الدبلوماسية الأميركية، خلال هذه الفترة، من أجل إيهام العرب، وتخويفهم بالخطر الوهمي الإيراني القادم. ومن أجل صرف أنظارهم عن خطر حقيقي قائم!!...
وجاء مؤتمر «أنابوليس» تتويجاً لهذا الأداء السياسي، بعد ترتيب اصطفافات سياسية جديدة في الأنظمة العربية، تتيح للولايات المتحدة الأميركية، أن تحول مجرى الصراع، وأهدافه، وأن تجعل من العدو حليفاً للبعض!! في إطار تجنيد الدول والشعوب، ضد المشروع النووي الإيراني.
وكانت الجوقة الإعلامية التي عزفت نشيد السلام القادم، عنصراً إضافياً من عناصر التضليل والإيهام، بأن السلام في متناول اليد، وأن مؤتمر «أنابوليس» سيعيد ما تبقى من الحق العربي، ويفتح أبواب الجنة الاقتصادية المزدهرة أمام شعوب المنطقة.
لكن الإدارة الأميركية غير معنيّة بالنوايا العربية، وغير معنيّة بآمال الشعب العربي وطموحاته، وتطلعاته، فما يهمّها، في هذا المجال، المحافظة على بنية النظام العربي المتراخي، والمترهل والعاجز عن بلورة آمال شعبه، ولذلك فهي تستطيع أن تمنّ على بعض الحكام العرب لأنها أبقتهم فوق رقاب شعبهم، ولكنها لا تستطيع، ولا تريد أن يتمتع الشعب العربي بالسلوى!!